الاثنين، 27 يونيو 2016

السفر إلى الهاوية ( عن بحيرة الرب )* حسيبة طاهر






السفر إلى الهاوية ( عن بحيرة الرب )
انسلت من تحت اللحاف.. تسللت إلى الصالون حاملة
جهاز اللابتوب.. ارتمت على الأريكة الباهتة الباردة.. قرأت
رسالته للمرة العاشرة.. أو المائة وواحد، فما عادت تدري..
احضري أو غيبي أبدا..
ظلت ساهمة تفكر، فهي لو حضرت ستغيب، ولو غابت
ستحضر فما العمل؟
ربطت جأشها، ووضعت ماضيها في الجانب الأيسر
26
بحيرة الرب وقصص أخرى
للروح.. ارتدت الحب، وانتعلت الحلم، وضعت قليا من
الأحمر على وجنتيها وشفتيها، فا وقت لديها لأكثر.. حملت
حقيبة تحوي ثيابا قليلة، وكتبا كثيرة، وألبوم صور.. اسرقت
النظر إلى ذلك المُلقى على السرير، الموثّق: « آسفة !»
ألقت نظرة على طاولة الإفطار.. منسقة كالعادة: إبريق
حليب.. إبريق قهوة.. خبز محمص.. صحن حلوى مربى
وجبن وزبدة الفول السوداني وكعكه المفضل الذي أعدته له
بنفسها، و في الركن أزهار جميلة المنظر، عاقر لا تفوح بعطر..
كل شيء هادئ وعادي.. كل شيء هنا إلاهي فلن تكون ..!
أسرعت الخطى خارجا.. صفقت الباب فما يهم، فهي
الخطوة التي ليس منها رجوع .
نزلت الدرج مسرعة، فالحب في السيارة ينتظر، والزوج
على السرير يُحتضر، اندست في المقعد.. صفقت الباب..
نظرت إليه.. لم يستقبلها كما توقعت.. كلامه خافت، ولونه
باهت.. سيجارة تحرق شفتيه.. كانت الساعة عنده الرابعة
صباحا، ومشروع ندم ، كانت عندهاا لرابعة إلا عودة،
والثالثة.. وأمل.
قال الحب: مرهق أنا.. فقودي أنت!
في صمت تبادلا الأماكن.. عيناه تفران منها كلما إليه
27
بحيرة الرب وقصص أخرى
نظرت.. قالت: إلى أين؟ قال: إلى المصير .. داست البنزين
وانطلقت إلى اللاأين .. كان الحب كعادته جميا مهندما
عطرا، لكن حركاته اليوم غير متزنة.. نظراته هاربة منكسرة
شاردة.. كلامه ضئيل.. مزاجه غريب ..
كانت السيارة تجري هاربة نحو الماضي.. سالكة شارع
الوهم المجهول، قالت: إلى أين المسير ؟
قال: إنه الآن يبكي ويبحث عني.. مسكين ذلك الصغير
لن يحاول عضي بعد اليوم.. لن يلامس خدي.. سيبكي
كثيرا.. مسكين.. يستحق أبا أفضل مني بكثير..
قالت: مسكين! هو سيفطر وحيدا، وينام فريدا، ويعيش
سقيما.. لن يبكي.. لن يبحث عني عصي الدمع.. هو عزيز
النفْس، كاتم النَّفَسِ.. قهرته أنا، ضمرته لأنه فقط أحبني،
أهنته.. قلصت هامته لأنه فقط أكرمني.. ما أغباني.. وما
أجبنني..!
قال: حزينتان هما.. ستمضيان عاريتان والرد شديد..
ستهانان بذنبي، وتشتمان وتنبذان با ذنب.. ستهجران
وتعيّران.. سأبقى في حياتهما وصمة عار، و أبا مستعارا..
عربيدا.. شريدا با قرار..
قالت: أمي سرثيني.. ستبكيني دهرا.. ستُلقى في مزبلة
28
بحيرة الرب وقصص أخرى
المجتمع، أبي سيحزن.. سينزف دما.. أخي سيدفع عني
الثمن.. سيتهامز القوم و يتغامزون.. سيتحدثون عن أخته التي
تقاطرت عهرا، وتهاطلت أخبارها ظهرا و عِشاء وعصرا..
قال: مسكينة هي.. ستجرح كرامتها التي ظلت قادة
في عنقها دهرا وشطر دهر.. سأحطم عنفوانها وكبرياءها..
امرأة هي لا تقهر.. ستملأ الأخاديد وجهها الجميل، و قلبها
الضعيف، وحسها الرهيف... عليَّ اللعنة من نرجسي أناني
متجر..! ماجن أنا وسخيف لا أستحق حتى العيش..
قالت في ذهول من استيقظ لتوه: أهو الندم؟ أبعد عامين
من الحب وآلاف القبل..؟ أبعد أن تمردتُ على كل القيم،
و غدا اسمي كأس سم تدور على شفاه الذين لي؟ أبعد أن
ضحيت بكل ما سيكون، و ما قد كان..؟ أ بعد..؟ وبعد..؟
وبعد..؟ أتتحدث عن الندم ..!
قال: فلنشفَ من هذا الجنون، ولنرتقِ عن هذا المجون،
ولْنَعُد..
قالت: أنت أعلم مني أن عودتي مستحيلة، فأنا البارحة
عاهرة وحقيرة ودمي مهدور.. واليوم دفنت في مقرة النسيان
المحظور، وروحي لا تجوز عليها لا رحمة ولا صاة، وإننا
اليوم غدا... فهل الموتى يعودون ..؟ و إن عادوا هل يقْبلون..؟
29
بحيرة الرب وقصص أخرى
و في لحظة لم تُنتظر أدارت المقود بجنون، فارتطمت
السيارة بالحافة المعدنية للطريق، وانحدرت متدحرجة عر
سفح الجبل، واستقرت في جوف الهوة السحيقة للأبد..






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق